الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
فـالوجه الأولذهب أبو سعيد الإصطخري إلى: أن في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يبرأ من كل عيب، باطنًا كان أو ظاهرًا، علم به البائع أو لم يعلم به، وبه قال أبو حنيفة، وأبو ثور؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المؤمنون عند شروطهم». وهذا شرط قد شرطاه، فوجب الوفاء به. وروت أم سلمة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أن رجلين من الأنصار اختصما إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مواريث بينهما قد درست، فقال لهما النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «استهما، وتوخيا الحق، وليحل كل واحد منكما صاحبه». فدل على: أن البراءة من المجهول صحيحة. ولأنه عيب رضي به المشتري، فصار كما لو أعلمه به. والقول الثاني: أنه لا يبرأ من شيء من العيوب، وهو قول شريح، وعطاء، وطاوس، والحسن، وأحمد، وإسحاق؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نهى عن بيع الغرر». وفي البيع بهذا الشرط غرر؛ لأن المشتري لا يدري كم ينقص العيب من قيمة المبيع، ولأنه شرط يرتفق به أحد المتعاقدين، فلم يصح مجهولاً، كشرط الرهن المجهول، والأجل المجهول، وفيه احترازٌ من خيار المجلس والشرط، فإنه يرتفق به المتعاقدان. والقول الثالث ـ وهو الصحيح ـ: أنه يبرأ من عيب واحد، وهو العيب الباطن في الحيوان الذي لم يعلم به البائع، ولا يبرأ مما سواه، وهو قول مالك؛ لما روي: (أن ابن عمر باع غلامًا له من زيد بن ثابت بثمانمائة درهم بشرط البراءة من كل عيب، فأصاب به زيدٌ عيبًا، فأراد رده، فأتى ابن عمر، فتحاكما إلى عثمان بن عفان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال عثمان بن عفان لابن عمر: أتحلف أنك لم تعلم بعيب فيه؟ فأبى ابن عمر أن يحلف، وقبل الغلام، فباعه بألف درهم، وقيل: بألف وخمسمائة درهم). ووجه الدليل من هذا: أن عثمان قال: (أتحلف أنك لم تعلم بعيب به؟). فدل على: أنه إنما يبرأ من العيب إذا لم يعلم به، وأمّا إذا علم بالعيب: لم تصح البراءة منه، ولم ينكر ذلك منكر من الصحابة. قال الشافعي: (ولأن الحيوان يغتذي بالصحة والسقم، وتحول طبائعه، وقل ما يبرأ من عيب يخفى أو يظهر). ومعناه: أن الحيوان يعتلف في حال الصحة والسقم، ولا يمكن معرفة عيبه، فكانت به حاجة إلى البراءة من العيوب الباطنة التي لم يعلم بها، وجاز ذلك، كما جاز بيع المنافع قبل أن تخلق للحاجة، ولم يجز بيع الحيوان قبل أن يخلق؛ لأنه لا حاجة به إلى ذلك. فعلى قول أبي سعيد في غير الحيوان من الثياب وغيرها قولان: أحدهما: لا يبرأ من عيب فيها. والثاني: يبرأ من كل عيب فيها، ويسقط القول الثالث. و الوجه الثاني من أصحابنا من قال: المسألة على قول واحد، وهو: أنه يبرأ من العيب الباطن في الحيوان الذي لا يعلم به البائع، ولا يبرأ من العيب الباطن فيه الذي يعلم به البائع، ولا من العيوب الظاهرة فيه علم بها البائع أو لم يعلم ولا يبرأ من شيء من العيوب في غير الحيوان، باطنة كانت أو ظاهرة، علم بها البائع أو لم يعلم، وكذلك ما مأكوله في جوفه، مثل: الجوز واللوز والرمان، حكمه حكم الثياب، والفرق بينه وبين الحيوان: ما أشار إليه الشافعي: أن الغالب في الحيوان وجود العيب في باطنه، بخلاف ما مأكوله في جوفه، فإن الأكثر في جوفه السلامة. فإذا قلنا: إن البيع بهذا الشرط صحيح، فحدث به عيب عند البائع بعد البيع، وقبل القبض.. لم يبرأ منه. وقال أبو يوسف: يبرأ منه. دليلنا: أنه إسقاط حق قبل ثبوته، فلم يصح، كما لو أبرأه مما يستحب عليه. وإذا قلنا: إن شرط البراءة لا يصح.. فهل يصح البيع؟ فيه وجهان: أحدهما: أن البيع صحيح، ويثبت للمشتري الخيار إذا وجد العيب؛ لأن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حكم بصحة البيع. والثاني ـ وهو اختيار الشيخ أبي حامد ـ: أن البيع باطلٌ؛ لأنه شرط فاسد قارن عقد البيع، فأبطله، كسائر الشروط الفاسدة، ولأن البائع أسقط جزءًا من الثمن لأجل هذا الشرط، فإذا سقط هذا الشرط.. وجب أن يرجع إلى ما أسقطه من الثمن لأجله، وذلك مجهول، والمجهول إذا أضيف إلى معلوم.. صار الجميع مجهولاً، والجهل بالثمن يبطل البيع. وبالله التوفيق
وأمّا الحديث: فلو كان عند عائشة شيء فيه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لذكرته، على أنه يحمل على أنها أنكرت شراءه إلى العطاء؛ لأنه أجل مجهول.
وقال الشيخ أبو إسحاق: وكان ابن مسعود لا يرى بأسًا بـ (دَهْ يُازْدَهْ)، و(دَهْ دَوَازْدَهْ). ومعنى هذا: أنه كان لا يرى بأسًا أن يبيع ما اشتراه بعشرة، بإحدى عشرة وباثني عشرة؛ لأن (دَهْ) ـ في لغة الفرس ـ: عشرة، و(يُازْدَهْ): إحدى عشر، و(دَوَازْدَهْ): اثنا عشر. وروي عن ابن عبّاس، وابن عمر: أنهما قالا: (يكره هذا البيع). وقال إسحاق ابن راهويه: لا يصح. دليلنا: أن رأس المال معلومٌ، والربح معلوم، فصح، كما لو قال: بعتك بمائة وعشرة، وأما ما روي عن ابن عبّاس، وابن عمر: فيحتمل أنهما كرها ذلك؛ لما فيه من تحمل الأمانة وأدائها.
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (لا يجوز بيع المرابحة فيما ينقسم الثمن فيه على قيمته، ويجوز فيما تتساوى أجزاؤه، كالمكيل والموزون والمعدود المتساوي). دليلنا: أن الثمن ينقسم على قدر القيمتين، ألا ترى أنه لو اشترى سيفًا وشقصًا.. فإن الشفيع يأخذ الشقص بحصّته من الثمن، فكذلك هاهنا مثله؟
فإن كان ذلك قبل لزوم البيع، إما في خيار المجلس أو في خيار الشرط، فإن ذلك يلحق بالعقد، ويخبر به في بيع المرابحة، وهذا قول عامّة أصحابنا، إلا أبا عليّ الطبريّ، فإنه قال: إذا قلنا: إن المشتري يملك المبيع بنفس العقد.. فإن ذلك لا يلحق بالعقد. وليس بشيء؛ لأن المبيع وإن انتقل بالعقد، إلا أن الملك لم يستقر، ولهذا يجوز لكل واحدٍ منهما أن ينفرد بفسخ العقد، وإن ألحقا بالعقد زيادةً، أو حطّا بعض الثمن بعد الخيار.. لم يلحق بالعقد، وكان ذلك هبة، فإن أراد بيعه مرابحة.. أخبر بما وقع به العقد. وقال أبو حنيفة: (يلحق بالعقد، ويخبر به في المرابحة). دليلنا: أنه حط بعد لزوم العقد.. فلم يلحق به، كما لو حط جميع الثمن.
و(الشركة): أن يقول: اشتريتها بكذا، وقد أشركتك بنصفها، فإذا قبل.. لزم البيع عليه بنصف السلعة بنصف الثمن. إذا ثبت هذا: واشترى سلعة بثمن، ثم ولاَّها غيرَه أو أشرك غيرَه في الثمن فيها، ثم حطَّ الثمن عن المشتري الأول.. قال الطبري في "العدة": فإن الحط يلحق بالمولى والمشرَك؛ لأن التولية والشركة تختص بالثمن، فلحق الثاني ما لحق الأول، ولو باعه المشتري الأول بلفظ البيع، ثم حطَّ الثمن عن المشتري الأول.. لم يلحق المشتري الثاني حطٌّ. قال: وهذا اختلافٌ يحصل باختلاف اللفظ، كما يقول في المرابحة: إذا كذب في رأس المال.. ثبت للمشتري الخيارُ، ولو باعه مساومةً وكذب في رأس المال.. لم يثبت للمشتري الخيار.
أحدهما قال الشيخ أبو حامد: لا يصحُّ؛ لأن حقيقة رأس المال ما وزنه ثمنًا، والذي وُزِنَ ثمنًا عشرةٌ. وثانيهما قال القاضي أبو الطيب: يصح، واختاره ابن الصَّباغ، لأن رأس المال عبارةٌ عمَّا يطلبُ به الربح والنفقة والثمن في ذلك سواءً، فإن عمل فيه بنفسه ما يساوي ثلاثةً، فإنَّه لا يضمُّه إلى رأس المال ويخبر به؛ لأنه لا يستحق بعمله على نفسه أجرةً، وكذلك إذا تطوَّع غيره بالعمل فيه، إلاَّ أنه يمكنه أن يقول: اشتريته بكذا، وعملت فيه عملاً أجرتُهُ كذا، فلي ذلك، وقد بعتكه بذلك وبربح كذا، فيصح ذلك.
فإن جنى هذا العبد جناية، ففداه السيد بشيء.. لم يضمّه إلى رأس المال، وهكذا إذا مرض، فداواه، وأنفق عليه؛ لأن ذلك لاستبقاء ملكه، ويخالف القصارة والخياطة والصبغ؛ لأن في هذه المواضع له أثر في العين. وإن جنى جانٍ على هذا العبد، فأخذ منه الأرش.. فهل يلزمه أن يحط ما أخذه من رأس المال؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يلزمه أن يحط ذلك، كما لا يضم إلى رأس ماله ما فداه به. والثاني: يلزمه أن يحط ذلك من الثمن؛ لأنه بذل جزءًا منه، فلزمه أن يحطه من الثمن، كأرش العيب.
وذكر الصيمري: أنه إذا اشترى عبدًا، فاستخدمه، أو أجّره.. لزمه الإخبار بذلك، ولا وجه له، وإن كانت الشجرة مثمرة وقت الشراء، أو كان في البهيمة لبنٌ أو صوفٌ وقت الشراء، فأخذ الثمرة واللبن والصوف.. لزمه أن يحط من الثمن بحصة ما أخذ؛ لأن الثمن قابل الجميع. وإن كانت بهيمة أو جارية حاملاً وقت الشراء، فولدت في يده، ثم أراد بيعها: فإن قلنا: إن الحمل له حكم.. فهو كاللبن والثمرة. وإن قلنا: لا حكم له.. لم يحط من الثمن لأجله شيء.
وقال أبو حنيفة: (لا يبيعه مرابحة). دليلنا: أن الثمن وقع عليهما بالسويّة؛ لأن الصفة متساوية في الذمة، فهو كشراء القفيزين، فإن حصل في أحدهما نقصان عن الصفة.. فذلك نقصان جارٍ مجرى العيب الحادث بعد الشراء، فلا يمنع من بيع المرابحة.
فعلى هذا: يكون للمشتري الخيار؛ لأنه دلّس عليه بما يأخذ جزءًا من الثمن، فثبت له الخيار، كما لو دلّس عليه بعيب. وقال أبو حنيفة: (إن كان المبيع باقيًا.. كان له الخيار: إن شاء.. أمسكه، وإن شاء.. ردَّه، وإن كان تالفًا.. لزمه الثمن). وقال شريح، وابن سيرين، والأوزاعي: (يلزم البيع، ويثبت في ذمته الثمن مؤجلاً). وقال أحمد، وإسحاق: (إن كان المبيع باقيًا، فإن شاء.. أمسك ذلك إلى الأجل، وإن كان تالفًا.. حبس من الثمن بقدر الأجل الذي كان للبائع). دليلنا: ما مضى، ولأن الذمم لا تتماثل، فربما كانت ذمة المشتري الثاني دون ذمة الأول.
وقال أبو حنيفة: (يلزمه أن يحط ما ربح، فيخبر بخمسين). وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\242] أنه قول ابن سريج. دليلنا: أن الثمن في البيع الذي يلي بيع المرابحة هو المائة، فجاز أن يخبر به، كما لو لم يربح في الأول. وإن اشترى شيئًا بعشرة، ثم واطأ غلامه الحر وهو الوكيل، فباعه منه، ثم اشتراه بعشرين، وأخبر بالعشرين في بيع المرابحة.. صح الشراء والإخبار، ولكن يكره له ذلك؛ لأنه لو صرّح به في العقد.. لأبطل العقد، فإذا قصده.. كُرِهَ، فإن علم المشتري بذلك.. فهل يثبت للمشتري الخيار؟ فيه وجهان: أحدهما قال الشيخ أبو إسحاق: لا يثبت له الخيار؛ لأن شراءه من غلامه صحيح. وثانيهما قال ابن الصباغ: يثبت له الخيار؛ لأن هذا ضرب من التدليس، والتدليس محرم في الشرع، فأثبت الخيار.
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (لا يجوز حتى يبين ممن اشتراه). دليلنا: أنه أخبر بما اشتراه به صحيحًا.. فجاز بيعه، كما لو اشتراه من أجنبي. وإن اشترى شيئًا بمائة، فاستغلاه، فأخبر بأنه اشتراه بتسعين.. قال الشيخ أبو نصر: فالبيع صحيح، وقد أساء بالكذب. وقال إسحاق بن راهويه: ليس هذا كذبًا إذا كانت إرادته: أنها قامت عليه بتسعين. دليلنا: أنه أخبر بخلاف ما اشترى به، فلا يصح بالنيّة أنها قامت عليه بتسعين؛ لأنها ما قامت عليه إلا بالمائة، والنيّة لا تغيّر موجب اللفظ.
وحكي عن أبي يوسف، ومحمد بن الحسن: أنهما قالا: الوضيعة عشرةٌ. وحكى المسعودي [في "الإبانة" ق\242] أنه وجهٌ لبعض أصحابنا. دليلنا: أن الحط يعتبر من الربح، وقد ثبت: أنه لو قال: يربح دهْ يازدهْ.. لزيد على كل عشرة درهم، فيكون أحد عشرة، فيجب أن يحط ذلك الربح، وهو: أن يحط من كل أحد عشر درهمًا درهمٌ، فإذا حطّ من تسعة وتسعين درهمًا تسعة دراهم.. حطّ من الدرهم الباقي جزءًا من أحد عشر جزءًا. وإن قال: بعتك برأس مالي ووضيعة درهم من كل عشرة.. ففيه وجهان: أحدهما ـ وهو قول الشيخ أبي حامد ـ: أن الثمن أحد وتسعون درهمًا إلا جزءًا من أحد عشر جزءًا من درهم؛ لأن الوضيعة معتبرة من الربح. ولو باع بربح درهم في كل عشرة.. لكان الربح عشرة، وكان الربح جُزءًا من أحد عشر جزءًا، فإذا باع بالوضيعة.. وجب أن يحط من المائة جزءًا من أحد عشر جزءًا منها. والثاني ـ وهو قول أبي ثور، واختيار القاضي أبي الطيب، والشيخ أبي إسحاق، وابن الصبّاغ ـ: أن الثمن تسعون؛ لأن المائة عشر عشرات، فإذا وضع من كل عشرة دراهم درهمًا بقي تسعون. قال ابن الصّباغ: فأما إذا قال بوضيعة درهم لكل عشرة: فإن الثمن يكون أحدًا وتسعين درهمًا إلا جزءًا من أحد عشر جزءًا من درهم.
وقال مالك: (البيع باطل). وحكاه القاضي أبو حامد وجهًا لبعض أصحابنا؛ لأن هذا كان مجهولاً عند العقد، وليس بشيء؛ لأن سقوط جزء من الثمن ضرب من التدليس لا يبطل البيع ولا يوجب كونه مجهولاً كأرش العيب، ولأنا لا نسقطه في أحد القولين. إذا ثبت هذا: فكم الثمن الذي وقع به البيع؟ فيه قولان: أحدهما: أنه مائة وعشرة، وهو قول أبي حنيفة، ومحمد؛ لأنه هو المسمى في العقد، وإنما بان فيه تدليس وخيانة، وذلك يوجب الخيار دون الحط، كما لو دلّس البائع بعيب. والثاني: أن الثمن تسعة وتسعون درهمًا، وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي يوسف، وأحمد، وهو الصحيح؛ لأنه باعه برأس المال وقدر له من الربح، وإنما أخبر بأكثر من ذلك، فوجب حط الزيادة، كالشفعة والتولية. فإذا قلنا: إن الثمن مائة وعشرة.. فلا خيار للبائع، وللمشتري الخيار: بين الإجازة والفسخ؛ لأنه دخل في العقد على أن يأخذ برأس المال، وهذا أكثر منه. وإذا قلنا: إن الثمن تسعة وتسعون.. فهل يثبت للمشتري الخيار؟ نقل المزنيّ و" حرملة ": (أنّ له الخيار). وذكر الشافعيّ في " اختلاف العراقيين ": (أنه لا خيار له). وإن كانت السلعة قائمة.. فاختلف أصحابنا فيها على ثلاث طرق: فالطريق الأول منهم من قال: في المسألة قولان، سواءٌ ثبت ذلك بالبينة أو بإقرار البائع، وسواءٌ كانت السلعة قائمة أو تالفة. هكذا قال الشيخ أبو حامد: أحدهما: يثبت له الخيار؛ لأنه قد يكون له غرض في شرائها بمائة وعشرة بأن يكون قد حلف: ليشترين عبدًا بمائة وعشرة، أو أوصى إليه أن يشتري عبدًا بهذا الثمن ويعتقه، فإذا بان بدون ذلك.. ثبت له الخيار، ولأنه إن علم ذلك بإقرار البائع.. فلا يؤمن أن يكون الثمن دونه، وأنه قد خان، وإن علمت خيانته بالبينة.. فلعل الباطن بخلاف الظاهر، وأن الثمن دونه. والثاني: لا خيار له، وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي يوسف؛ لأنه قد كان رضي بها بمائة وعشرة، فإذا حصلت بدون ذلك.. فقد حصلت له فائدة، فلم يثبت له الخيار، كما لو أمر وكيله أن يبيع عبده بمائة فباعه بمائة وعشرة. والطريق الثاني من أصحابنا من قال: هي على حالين: فحيث قال: (للمشتري الخيار) أراد: إذا كانت السلعة قائمة يمكنه فسخ البيع؛ لأنه يزيل ضررًا عن نفسه ولا يلحق ضررًا بالبائع. وحيث قال: (لا خيار له) أراد: إذا كانت السلعة تالفةً؛ لأنه يزيل ضررًا عن نفسه ويلحقه بالبائع، فلم يجز. والطريق الثالث من أصحابنا من قال: إن ثبتت خيانة البائع بإقراره.. فلا خيار للمشتري، قولاً واحدًا؛ لأن ذلك يدل على أمانته، وإن ثبت ذلك بالبينة.. فهل يثبت للمشتري الخيار؟ فيه قولان. قال الشيخ أبو حامد: ولعل هذا أسد الطرق. إذا ثبت هذا: فإن قلنا: للمشتري الخيار، ففسخ البيع.. فلا كلام. وإن قلنا: لا خيار له، أو قلنا: له الخيار، فاختار الإجازة.. فهل يثبت للبائع الخيار؟ قال أكثر أصحابنا: فيه وجهان، وحكاهما القاضي أبو الطيب قولين: أحدهما: لا خيار له؛ لأنه رضي ببيعه برأس المال وقدر له من الربح، وقد بان أن هذا هو رأس المال وقدره من الربح. والثاني: له الخيار؛ لأنه دخل في العقد على أن يأخذ بمائة وعشرة، فإذا نقص عن ذلك.. ثبت له الخيار. إذا ثبت هذا: فإن الشيخ أبا إسحاق في "المهذب" أومأ إلى: أن العين إذا كانت تالفةً.. أن البيع يلزم بتسعة وتسعين، قولاً واحدًا، ولا خيار له؛ لأن إثبات الخيار له يؤدي إلى الضرر بالبائع، وهذا مخالفٌ لما تقدم من كلام الشيخ أبي حامد. وذكر ابن الصبّاغ: أنها إذا كانت تالفةً، وقلنا: إنه يأخذ بمائة وعشرة.. فإن خياره لا يسقط، بل يكون بمنزلة المعيب إذا تلف في يده، وعلم بعيبه.. فيرجع بقدر الخيانة، كما يرجع بأرش العيب. |